ديمقراطية بوش: بئس المثل ...
السلام عليكم احبائي
لا يكاد الرئيس الأمريكي يترك مناسبة دون أن يباهي بدوره في بعث ديمقراطيات وليدة في كل من أفغانستان والعراق والأراضي الفلسطينية المحتلة ( الضفة والقطاع ) في منطقة تعيش على وقع الأنظمة العائلية أو الشمولية، باعتبار أن هذه التجربة الجديدة ، تشكل المثل الذي يجب أن يحتذى نحو الإصلاح الديمقراطي على الطريقة الأمريكية طوعاً أو كرهاً.
والديمقراطية التي يجري التبشير بها في المنطقة العربية هي ديمقراطية من نمط جديد، وخلاف تلك الديمقراطية التي جرى التعارف على تطبيقها في البلدان الرأسمالية الغربية ومناطق أخرى من العالم، ومن ثم إذا كانت الديمقراطية كمفهوم هي حكم الشعب بكل الشعب عن طريق ممثليه المنتخبين وفقاً لمعيار التساوي في المواطنة، دون ارتباط بمذهب أو طائفة أو قومية وعلى قاعدة الأغلبية والأقلية
والتداول السلمي للسلطة فإن ديمقراطية بوش حسب المثل العراقي، هي ديمقراطية الإثنيات والمذاهب والطوائف، التي يتشظى الوطن ككل من خلالها إلى حصص يتم تقاسمها عبر هذا النظام الموغل في نفيه للديمقراطية وللعدالة وللمساواة .
و إذا أخذنا المثل العراقي باعتباره أنموذجاً لتلك الديمقراطية، فإننا لا نملك من واقع التجربة الراهنة وكل التجارب السابقة مع الإدارات الأمريكية، إلا القول بئس المثل ذاك، انطلاقا من أن ما تم و يتم في العراق، إن هو إلا دفع الشعب العراقي إلى استبدال المواطنة بالمذهب واستبدال الشعب بالعشيرة والقبيلة والعرق، من أجل تكريس نموذج المحاصصة على أساس التقاسم الطائفي والإثني والمذهبي وليس على أساس المساواة في المواطنة.
هذا التقاسم الذي يكرس القيم المتخلفة والانفصالية، والتي لا تمت إلى العصر، ناهيك عن الادعاء بأنها ديمقراطية، فأي ديمقراطية هي تلك التي تضع القبيلة والطائفة في مواجهة ومساواة الوطن بكليته، والتي هي في جوهرها تعدم المساواة بين أبناء الوطن الواحد! وتجعل منه جزرا طائفية تكرس روح العزلة "وعقلية الجيتو" بدلاً من الاندماج والانصهار في نسيج مجتمعي واحد، يستحضر الوطن الواحد لجميع أبنائه!
ويبدو أن من أسوأ ما يجري في العراق الآن هو فرض روح العصبية المذهبية و الإثنية، التي يغذيها طموح البعض والتدخل الوقح والسافر من الإدارة الأمريكية في الشأن العراقي الداخلي، وصولاً إلى خلق ديناميات داخلية من شأنها أن تجعل من الوطن الواحد حتى الآن، مجموعة من الأقاليم يتم توزيعها وتقاسمها وفق الآليات والقوانين التي تنتجها ديمقراطية بوش الجديدة.
وإذا كان من حق البعض أن يصف النظام السابق بما شاء له من التوصيفات، إلا أنه قد يكون من سوء التقدير لدى البعض، وسوء النية لدى البعض الأخر وعن سابق إصرار وترصد، أن يتم استبدال النظام السابق بهذا الكم من أنظمة الطوائف تلك والتي تؤشر كل المقومات إلى أنها تسير باتجاه إنهاء العراق الواحد الذي يجب أن يكون لكل أبنائه على اختلاف مذاهبهم وإثنياتهم وطوائفهم، بمعزل عن الثقل السكاني لكل طائفة، إلى حالة تختزل الوطن لصالح مصلحة الطائفة أو العرق.
هذه هي الديمقراطية التي يريدها ويتغنى بها بوش الابن وكل جوقته صباح مساء، والتي لا تعدو أن تكون تكريساً لحالة الولاء المذهبي والإثني، حيث تصبح القسمة مسلم – مسيحي، سني – شيعي، كردي – عربي – تركي – فارسي...الخ، هي التجلي الديمقراطي لهذا النموذج والتي تفتح الباب أمام الفرز الاجتماعي والسياسي على هذا الأساس المتخلف الذي يعدم المواطنة لصالح الانقسام والتباعد بين فئات الشعب العراقي – إذا كان هناك من بقي يؤمن أن هناك شعباً عراقياً واحداً – الأمر الذي يشكل شرخاً مستمراً ومتزايداً في نسيج هذا المجتمع باتجاه القسمة على عدد الطوائف والمذاهب والقوميات .
وذلك بالضرورة يستوجب و يفرض في مجرى الحياة إن لم يكن الآن فغداً، تضارباً في المصالح بين الطوائف والمذاهب، والإثنيات التي قررت وعن وعي الانتصار لمصالحها بدلاً من الانتصار للوطن الواحد، مما سيقود بالضرورة إلى بروز التناقضات التي ربما تصل في بعض محطاتها، إن لم يتم تدارك ذلك إلى تناقضات تناحرية، لن يستفيد منها إلا أعداء العراق بكل ألوان طيفه المذهبي والإثني، وعلى رأس أولئك المستفيدين الإدارة الأمريكية التي لا ترى في العراق إلا خزان نفط وموقع استراتيجي.
وإنه على ضوء ذلك لحري بالعراقيين كل العراقيين أن لا يكونوا أعداء أنفسهم ذلك أن المؤشرات والأحداث الطائفية المؤسفة التي تجري راهناً، إنما تنبيء عن هذا الكم من المخاطر التي تستهدف العراق كل العراق، ولعل في ما حاولت بعض الجهات من ترويجه عن محاولة تطهير مذهبي في مدينة المدائن، إنما يسعى إلى استدراج الجميع إلى حالة من الأفعال وردود الأفعال تذهب إلى حد الفرز المذهبي في أسوأ تجلياته .وإذا ما أضفنا إلى ذلك ما يثار حول كركوك أو الموصل من دعوات تطهيرية على أساس قومي، لأدركنا طبيعة المأزق الذي يُدفع العراق إليه بكل تكويناته المجتمعية.
ومن ثم فإن بروز هذه الحالة من التشرنق المذهبي والإثني التي تحاول الإتكاء على عدم مشروعية وجود بعض العراقيين من إثنية معينة أو مذهب معين في بعض المدن أو المناطق العراقية بدعوى الحقوق التاريخية، لهذا الطرف أو ذاك ، على اعتبار أن ذلك من شأنه أن يخل بالتناسب السكاني لصالح طائفة أو فئة معينة، إنما يساهم في استيلاد فكرة النقاء العرقي أو المذهبي – على غرار المثل الصهيوني السيئ الذي يتم تطبيقه من قبل الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة والمتمثل في ضرورة العمل على نقاء الدولة العبرية لصالح أتباع الديانة اليهودية، ليكون الكيان الغاصب دولة لليهود فقط – الأمر الذي يجعل من عملية الحراك السكاني" القبلي" في العراق باتجاه المناطق المختلفة عملية محتملة ومتوقعة، لنكون بذلك أمام عراق للشيعة، وعراق للسنة، وعراق للأكراد، وعراق للتركمان...الخ، في ظل وجود الاحتلال الأجنبي الذي يبدو أنه لا توجد آفاق قريبة لرحيله.
وفي ظل هذا الاختطاف الطائفي والمذهبي للعراق الكيان الواحد حتى الآن، والذي تغذيه حالة سياسية وأمنية أقل ما يقال فيها أنها في خدمة هذا المشروع المشبوه، فإن السؤال يكون: ما الذي يمنع عراقياً أياً كان معتقده الديني أو السياسي أو أصله أن يكون في هذا الموقع السياسي أو ذاك، أو أن يقيم في هذه المدينة أو تلك؟ ومن ثم أين ذلك الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وعهده ، الذي توافق المجتمع الدولي على صيانته واحترامه والذي بات بوش الابن يستخدمه كهراوة في وجه بعض الدول ويستخدمه الساسة الجدد في العراق في وجه من يريد للعراق أن يكون وطناً واحداً لكل أبناءه دون تمييز من أقصى نقطة في الشمال إلى آخر نقطة في الجنوب، مما يعيشه العراق اليوم ؟
وعلى ضوء ذلك يمكننا القول أن ما حدث ويحدث في العراق هو مثل بائس وسيء بكل المعايير والمقاييس الإنسانية والسياسية، وليس له علاقة بالديمقراطية، ولعل مخاض تشكيل الوزارة وتقسيماتها بهذا الشكل المنافي لكل مباديء العدل والمساواة في المواطنة بصرف النظر عن المذهب أو الانتماء العرقي، إنما يكرس الانقسام الرأسي في متوالية لا تنتهي، وهذا هو أخطر ما يواجه أي مجتمع من المجتمعات، هذا إذا كان البعض، يعتبر أن هنالك مجتمعاً عراقياً واحداً لا زال قائماً بعد أن تم التماهي في الطائفة والمذهب
والعرق بدلاً من التماهي في الوطن الذي هو لجميع أبنائه.
لذلك يحق لبوش انطلاقا من المصلحة الأمريكية البحتة أن يباهي بهذه الديمقراطية العراقية، لأنه على ما يبدو نجح في أن يلقي ببذرة التناقض ذات الطرح الأكثر مرارة داخل العراق بدعوى الديمقراطية وإزالة الغبن عن بعض الفئات، وهي بذرة مرشحة لأن تنمو لتقذف بثمارها المرّة وجوه كل العراقيين سواء كانوا من الفريق الذي يهتف لبوش وقد أصابته نشوة المغانم الطائفية، أو أولئك الذين أدركوا ويدركون عظم الخطر الذي يواجه العراق والعراقيين على حد سواء، إن لم يتدارك الجميع الطريق المسدود الذي يسير باتجاهه حملة المباخر ومروِّجو ديمقراطية بوش ومعهم العراق والعراقيين، لأنه عندها سيكون قد فات الأوان وتكرس المثل المشوه للديمقراطية ليس للعراق فحسب بل لكل المنطقة.
الموضوع منقوووووووووووول من
شبكة البصرة