المجتمع البشري عبر تاريخه الطويل مر بمراحل مهمة ورئيسية تمتلك سمات
هامة تميّز كل عصر عن العصر الآخر . ومن اهم هذه المراحل التي اثرت على
تطور حياة المجتمعات البشرية هي الثورة الزراعية التي تطورت قبل عشرين
الف سنة تقريبا واستمرت الى بداية تطور عصر الدولة العبودية كشكل حياة
ونظام اجتماعي يعتمد على الدور الريادي للمرأة الا ان تأثيرات هذه
المرحلة استمرت الى حين ظهور الثورة الصناعية في اوربا حيث ان الادوات
الاساسية التي تم اختراعها في مرحلة الثورة الزراعية بقيت تحافظ على
مكانتها المهمة في الانتاج الى حين تطور الثورة الصناعية ولكن في عصرنا
هذا نعيش تأثيرات الثورة العلمية والتكنولوجية التي اثرت في حياة
المجتمعات البشرية بشكل يفتح المجال امام تطورات وتغيرات عظيمة وجدية
مهمة في حياة المجتمعات البشرية .
وفق معطيات هذه الثورة العلمية التقنية يتطور عصرنا بشكل مختلف ويمكن
دراسة سماته الاساسية بشكل واسع وشامل الا اننا سنعمل على التركيز على
سمة اساسية ومهمة لعصرنا هذا وهي حرية المرأة .
المرأة في عصرنا هذا وصلت الى مرحلة تعمل على استعادة مكانتها الطبيعية
التي فقدتها مع تطور مجتمع التميز الذي انحاز للرجل دون المرأة ولأجل
ترسيخ وتطوير سلطته عمل النظام على ابعاد المرأة بكل الوسائل
الايديولوجية والعنف عن حقيقتها ودورها في المجتمع . وفي يومنا هذا توجد
الكثير من العادات والتقاليد ضمن المجتمعات البشرية حتى القوانين التي
وضعتها الدول لا تستطيع مواجهتها ولا تغييرها وهذا يعني ان تغيير اي واقع
اجتماعي لا يتم فقط بوضع القوانين ولكن تطبيقها يواجه معوقات جدية حيث ان
المرأة التي لا تمتلك الوعي التحرري لا يمكنها حتى الاستفادة من القوانين
التي يمكن ان تكون لصالحها فمثلا اذا تعرضت المرأة للضرب والتعذيب ضمن
العائلة بالرغم من انها تمتلك حقوقا قانونية اذا طالبت بها ستتمكن من
تجاوز تلك الحالة او يمكن ان تحصل على ضمانة بهذا الخصوص . او في اسوأ
الاحوال يمكن ان تحصل على الطلاق ولكن اذا قمنا بتقييم الموضوع اجتماعيا
ووفق التقاليد والعادات سنجد ان المرأة في اغلب الاحوال ستعود الى بيت
والدها لكن العائلة بسبب الخوف من القيل والقال ومن العار والعيب ستعمل
بكل جهدها على اقناع المرأة لأجل ان تعود الى بيت زوجها .
حتى ان اسوأ حالة اي طلب الطلاق ستكون كارثة حقيقية لأن الموضوع سوف
يتعاظم وتصبح البلية اكبر . وهناك بعض الحوادث التي ادت الى قتل المرأة
من قبل اهلها اذا اصرت على الطلاق ولم ترضخ لهم ولآرائهم في العودة الى
منزل زوجها .طبعا ما يهمنا اليوم هو ما هي هذه الذهنية المترسخة لدى
المجتمع الذي لا يقبل ان تقوم المرأة بحقوقها التي اعطاها اياها الاسلام
ايضا ، هنا نذكر الاسلام لأنه في منطقة الشرق الاوسط الحاكم بين المجتمع
والدولة هو الاسلام ، حتى القوانين يتم وضعها بشكل يتلاءم مع شريعة
الاسلام . اما اذا اردنا ان نقيس وضع مجتمعاتنا مع تطورات العصر والعلم
والامكانيات التي توفرها هذه التطورات لتحقيق الانفتاح والتطور ضمن
المجتمع سنرى اننا نعاني من حالات متعددة من التخلف ، فالقوانين اصلا
ليست ديمقراطية بشكل يناسب واقع عصرنا والاسوء هو الحالة الاجتماعية التي
لا تعترف في كثير من الاحيان بالقوانين وتستمر بالعمل وفق الاعراف
السائدة .
طبعا علينا ان نرى في يومنا ان القوانين المدنية التي وضعت لصالح حقوق
الانسان والمرأة لم تأتِ بسهولة فقد خاضت الانسانية والمرأة صراعات
ونضالات عنيفة حتى حصلت على هذه الحقوق . ولكن في منطقتنا هناك الكثير
الذي يحتاج الى تغيير وتعديل وتطوير وهذا لن يتحقق بسهولة ابدا لأن
الموضوع ليس فقط وضع القوانين وكتابة الدساتير ولكن تطبيقها يبقى معطلا
بسبب عدم تطور ذلك الوعي الاجتماعي القادر على تطبيقه . فلو اننا في ظروف
يومنا الراهن قبلنا بأن عصرنا عصر تحرر المرأة فاننا سنكون شاهدين على
نضالات حقيقية للمرأة لأجل تحقيق الحرية التي سلبت منها منذ عصور قديمة
ولكن كيف سيتم تشكيل هذا الوعي ؟ وما هي الاساليب والوسائل التي ستخوض
بها المرأة نضالاتها ضد النظام الرجولي الحاكم ؟ ماذا سيكون موقف الرجال
من هذه النضالات ؟ ما هي التغييرات التي ستحصل على حياة المجتمعات مع
تطور هذه النضالات ؟
من المؤكد ان هذه الاسئلة وكثيرة اخرى سوف تتبادر الى الاذهان حين رغبتنا
في العمل على تحقيق تقييم واقعي وموضوعي . المسألة الاساسية الاولى
بالنسبة للمرأة والمنظمات التي ستعمل باسم المرأة هي قدرتها على تحديد
سمات نضالها الفكري وما هي الاسس التي سوف تستند عليها في تحقيق ذلك
الوعي ضمن النساء بشكل خاص والمجتمع بشكل عام .
اذا بالدرجة الاولى المسألة تأخذ طابع نظرية تحررية ويمكن الاستفادة من
تحقيق دراسة تاريخية لواقع حياة المرأة عبر العصور . وهذا شيء مهم جدا
لأننا اليوم نمتلك وعي اجتماعي يفرض الرضوخ والخنوع على المرأة بشكل شامل
ولا حق للمرأة في الاختيار او حتى التفكير لأن القوالب الاجتماعية
الفكرية جاهزة ويجب الرضوخ لها وكأن التفكير ببدائل سوف يجلب مصائب عظيمة
على المجتمع . فعلى سبيل المثال هناك حكم قائم ضمن المجتمعات الشرقية هو
ان المرأة ناقصة عقل ودين . ولكن اليوم نلاحظ انه اذا تم افساح المجال
للمرأة للمشاركة في مجالات العلم والفكر والسياسة والفن والثقافة فانها
قادرة على التطور والابداع اكثر من الرجل . والعلم يثبت اليوم بأن دماغ
المرأة يختلف عن دماغ الرجل بشكل يعطي ثقل التطور لدماغ المرأة وامكانيات
تحقيقها التقدم بشكل اسهل واسرع من الرجل .
تطورات يومنا العلمية تثبت ان عقل المرأة ليس ناقصا ويمكنها ان تنافس
الرجل وان تتفوق عليه ايضا . ان الاحكام الاجتماعية الموجودة تصبح بالية
ويجب تركها جانبا ولكن اذا نظرنا الى واقع المجتمع سنرى ان الاقلية من
الرجال والنساء يمكنهم الوصول الى هذه الحقيقة واستيعابها ومن هذه
الاقلية سيكون هناك قسم غير قادر على قبولها وتطبيقها بسبب عدم قدرتهم
على مواجهة المجتمع لذلك يحاولون البقاء على حالة توافقية مع المجتمع
التقليدي . وتبقى الاغلبية العظمى من المجتمع تعاني من التخلف وخاصة بين
النساء تغلب الامية لحد كبير بحيث انها تقبل الاعراف والتقاليد وتتمسك
بها اكثر من الرجل الذي يفرض عليها نظامه .فالمسألة هنا مرتبطة بالوعي
المتشكل والمترسخ ضمن المجتمع ، والذي لا يمكن تغييره بسهولة وببعض
الشعارات او الاهتمام ببعض النساء المتعلمات فقط ، لأن المسألة عامة وتخص
كافة المجتمع .
لنعد الى موضوعنا الا وهو ضرورة تشكيل وعي تحرري لدى النساء وهذا مرتبط
بتحقيق ثورة ذهنية بين النساء بشكل خاص وضمن المجتمع بشكل عام .
والقوانين وحدها لا يمكن ان تحل هذه المسألة .
وارتباطا بموضوع الوعي او الفكر التحرري يجب تطوير تنظيم المرأة او
تنظميات تهتم بهذا الموضوع لأن العمل على تحقيق الحرية لن يكون سهلا كما
هو متصور ، فالنظام بكل قوته سيقف في مواجهة اية محاولة لتحقيق التغيير
الذي لا يتوافق مع مصالحه .فاذا مسألة تنظيم المرأة وتطوريها للممارسة
العملية المنظمة في مواجهة النظام الذكوري سيكون له اهمية حياتية ومصيرية
بالنسبة للنساء وكذلك بالنسبة للمجتمع كافة .
لكن علينا ان نرى ايضا انه بالرغم من عالمية قضية المرأة الا اني اعتقد
ان التنظيم وممارسة المرأة تمثل نقطة الحسم بالنسبة للعالم اجمع . حيث ان
العالم الرأسمالي الغربي يدعي بأنه حقق للمرأة حريتها ولكنه رغم بعض
المكاسب التي حققتها نضالات المرأة والشعوب وهذه ليست مكاسب الرأسمالية .
على العكس فالنظام الرأسمالي يعمل على تحويل كل اجزاء جسم المرأة الى
سلعة . فاذا المسألة بحاجة الى حلول حقيقية وموضوعية وان الشرق الاوسط
اذا يريد ان يحافظ على قوالبه مقابل الاباحية الغربية فهذا يعقد المسألة
اكثر . لذا على التنظميات النسائية ان تتمكن من تقييم هذا الواقع . وان
نرى ان تقليد الغرب لن يجدي نفعا بل على العكس سوف يعقد الازمة . طبعا ما
نقصده هو عدم التقليد وليس عدم الاستفادة من تجارب المجتمعات الاخرى التي
تطورت علميا وفكريا واجتماعيا .
فاذا المسألة هنا معقدة وتعتمد على تطور فكري يستفيد من التطورات العلمية
الحاصلة في عصرنا وبنضالات عملية منظمة يمكن الوصول الى مستويات من الوعي
والممارسة الاجتماعية التي ستكون بمثابة ثورة مهمة في عصرنا والتي ستعطي
العصر اسمه وهو عصر نضالات المرأة لأجل التحرر .